سورة الروم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


قوله تعالى: {فأقم وجهك} قال مقاتل: أخلص دينك الإِسلام {للدِّين} أي: للتوحيد. وقال أبو سليمان الدمشقي: استقم بدينك نحو الجهة التي وجَّهك الله إِليها. وقال غيره: سدِّد عملك، والوجه: ما يُتَوجَّه إِليه، وعمل الإِنسان ودينه: ما يتوجَّه إِليه لتسديده وإِقامته.
قوله تعالى: {حنيفاً} قال الزجاج: {الحنيف}: الذي يميل إِلى الشيء ولا يرجع عنه، كالحَنَف في الرِّجل، وهو ميلها إِلى خارجها خِلْقة، لا يقدر الأحنف أن يردَّ حَنَفه وقوله: {فطرةَ الله} منصوب، بمعنى: اتَّبِع فطرةَ الله، لأن معنى {فأقم وجهك}: اتَّبِع الدِّين القيِّم، واتَّبع فطرة الله، أي: دين الله. والفطرة: الخِلْقة التي خَلَق اللّهُ عليها البشر. وكذلك قوله عليه السلام: «كل مولود يولد على الفطرة»، أي: على الإِيمان بالله. وقال مجاهد في قوله: {فطرة الله التي فطر الناسَ عليها} قال: الإِسلام، وكذلك قال قتادة. والذي أشار إِليه الزجاج أصح، وإِليه ذهب ابن قتيبة، فقال: فرقُ ما بيننا وبين أهل القَدَر في هذا الحديث، أن الفطرة عندهم: الإِسلام، والفطرة عندنا: الإِقرار بالله والمعرفة به، لا الإِسلام، ومعنى الفطرة: ابتداء الخِلقة، والكل أقرُّوا حين قوله: {ألستُ بربِّكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ولستَ واجداً أحداً إِلا وهو مُقِرّ بأنَّ له صانعاً ومدبِّراً وإِن عبد شيئاً دونه وسمَّاه بغير اسمه؛ فمعنى الحديث: إِن كل مولود في العالَم على ذلك العهد وذلك الإِقرار الأول، وهو الفطرة، ثم يهوِّد اليهودُ أبناءهم، أي يعلِّمونهم ذلك، وليس الإِقرار الأول ممَّا يقع به حُكم ولا ثواب؛ وقد ذكر نحو هذا أبو بكر الأثرم، واستدل عليه بأن الناس أجمعوا على أنه لا يرث المسلُم الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ، ثم أجمعوا على أن اليهوديَّ إِذا مات له ولد صغير ورثه، وكذلك النصراني والمجوسي، ولو كان معنى الفطرة الإِسلام، ما ورثه إِلا المسلمون، ولا دفن إِلا معهم؛ وإِنما أراد بقوله عليه السلام: «كل مولود يولد على الفطرة» أي: على تلك البداية التي أقرُّوا له فيها بالوحدانية حين أخذهم مِن صُلْب آدم، فمنهم من جحد ذلك بعد إِقراره. ومثل هذا الحديث حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: إِني خَلقتُ عبادي حنفاء»، وذلك أنه لم يدعُهم يوم الميثاق إِلاَّ إِلى حرف واحد، فأجابوه.
قوله تعالى: {لا تبديل لَخِلْق الله} لفظه لفظ النفي، ومعناه النهي؛ والتقدير: لا تبدِّلوا خَلْق الله. وفيه قولان:
أحدهما: أنه خِصاء البهائم، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والثاني: دين الله، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والنخعي في آخرين. وعن ابن عباس وعكرمة كالقولين.
قوله تعالى: {ذلك الدِّينُ القيِّم} يعني التوحيد المستقيم {ولكنَّ أكثر الناس} يعني كفار مكة {لا يَعْلَمون} توحيد الله.
قوله تعالى: {مُنِيبِين إِليه} قال الزجاج: زعم جميع النحويين أن معنى هذا: فأقيموا وجوهكم منيبين، لأن مخاطَبة النبي صلى الله عليه وسلم تدخل معه فيها الأُمَّة ومعنى {منيبين}: راجعين إِليه في كل ما أمر، فلا يخرجون عن شيء من أمره. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [البقرة: 3، الأنعام: 159] إِلى قوله: {وإِذا مَسَّ الناسَ ضُرٌّ دَعَواْ ربَّهم مُنِيبِين إِليه ثم إِذا أذاقهم منه رحمةً} وفيه قولان:
أحدهما: أنه القحط، والرحمة: المطر.
والثاني: أنه البلاء، والرحمة: العافية، {إِذا فريق منهم} وهم المشركون. والمعنى: إِن الكل يلتجؤون إِليه في شدائدهم، ولا يلتفت المشركون حينئذ إِلى أوثانهم.
قوله تعالى: {لِيَكفُروا بما آتيناهم} قد شرحناه في آخر [العنكبوت: 67]، وقوله تعالى: {فتَمتَّعوا} خطاب لهم بعد الإِخبار عنهم.
قوله تعالى: {أم أنزَلْنا عليهم} أي: على هؤلاء المشركين {سُلطاناً} أي: حُجَّة وكتاباً من السماء {فهو يتكلَّم بما كانوا به يُشْرِكون} أي: يأمرهم بالشِّرك؟! وهذا استفهام إِنكار، معناه: ليس الأمر كذلك.
قوله تعالى: {وإِذا أذقنا الناس} قال مقاتل: يعني كفار مكة {رحمةً} وهي المطر. والسيِّئة: الجوع والقحط. وقال ابن قتيبة: الرحمة: النعمة، والسيِّئة المصيبة. قال المفسرون: وهذا الفرح المذكور هاهنا، هو فرح البطر، الذي لا شُكر فيه، والقنوط: اليأس من فضل الله، وهو خلاف وصف المؤمن، فانه يشكر عند النعمة، ويرجو عند الشدة؛ وقد شرحناه في بني [إِسرائيل: 26] إِلى قوله: {ذلك} يعني إِعطاء الحق {خير} أي: أفضل من الإِمساك {للذين يريدون وجه الله} أي: يطلُبون بأعمالهم ثواب الله.


قوله تعالى: {وما آتيتم من رِباً} في هذه الآية أربعة أقوال.
أحدها: أن الرِّبا هاهنا: أن يُهدي الرجل للرجل الشيء يقصِد أن يُثيبه عليه أكثر من ذلك، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس، والضحاك، وقتادة، والقرظي. قال الضحاك: فهذا ليس فيه أجر ولا وزر. وقال قتادة: ذلك الذي لا يَقبله الله ولا يَجزي به، وليس فيه وِزْر.
والثاني: أنه الرِّبا المحرَّم، قاله الحسن البصري.
والثالث: أن الرجل يُعطي قرابته المال ليصير به غنيّاً، لا يقصد بذلك ثواب الله تعالى، قاله إِبراهيم النخعي.
والرابع: أنه الرجل يُعطي من يخدمه لأجل خدمته، لا لأجل الله تعالى، قاله الشعبي.
قوله تعالى: {لِيَرْبُوَ في أموال الناس} وقرأ نافع، ويعقوب: {لتَرْبوْ} بالتاء وسكون الواو، أي: في اجتلاب أموال الناس، واجتذابها {فلا يربو عند الله} أي: لا يزكو ولا يضاعَف، لأنكم قصدتم زيادة العِوَض، ولم تقصُدوا القُربة.
{وما آتيتم من زكاة} أي: ما أَعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة، إِنما تريدون بها ما عند الله، {فأولئك هم المُضْعِفُونَ} قال ابن قتيبة: الذين يجدون التضعيف والزيادة. وقال الزجاج: أي ذوو الأضعاف من الحسنات، كما يقال: رجل مُقْوٍ، أي: صاحب قُوَّة، ومُوسِر: صاحب يسار.


قوله تعالى: {ظَهَر الفسادُ في البَرِّ والبحر} في هذا الفساد أربعة أقوال.
أحدها: نقصان البَرَكة، قاله ابن عباس.
والثاني: ارتكاب المعاصي، قاله أبو العالية.
والثالث: الشِّرك، قاله قتادة، والسدي.
والرابع: قحط المطر، قاله عطية.
فأما البَرّ. فقال ابن عباس: البَرُّ: البرِّيَّة التي ليس عندها نهر.
وفي البحر قولان:
أحدهما: أنه ما كان من المدائن والقرى على شطِّ نهر، قاله ابن عباس. وقال عكرمة: لا أقول: بحرُكم هذا، ولكن كل قرية عامرة. وقال قتادة: المراد بالبَرِّ: أهل البوادي، وبالبحر: أهل القرى. وقال الزجاج: المراد بالبحر: مدن البحر التي على الأنهار، وكل ذي ماءٍ فهو بحر.
والثاني: أن البحر: الماء المعروف. قال مجاهد: ظهور الفساد في البر: قتل ابن آدم أخاه، وفي البحر: مَلِك جائر يأخذ كل سفينة غصباً. وقيل لعطيَّة: أيّ فساد في البحر؟ فقال: إِذا قلَّ المطر قل الغَوص.
قوله تعالى: {بما كسبتْ أيدي الناس} أي: بما عملوا من المعاصي {لِيُذيقَهم} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، وقتادة، وابن محيصن، وروح عن يعقوب، وقنبل عن ابن كثير: {لِنُذيقَهم} بالنون {بعضَ الذي عَمِلوا} أي: جزاء بعض أعمالهم؛ فالقحط جزاءٌ، ونقصان البركة جزاءٌ، ووقوع المعصية منهم جزاءٌ معجَّل لمعاصيهم أيضاً.
قوله تعالى: {لعلَّهم يَرجِعونَ} في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم الذين أُذيقوا الجزاءَ، ثم في معنى رجوعهم قولان:
أحدهما: يرجعون عن المعاصي، قاله أبو العالية.
والثاني: يرجعون إِلى الحق، قاله إِبراهيم.
والثاني: أنهم الذين يأتون بعدهم؛ فالمعنى: لعلَّه يرجع مَنْ بعدَهُم، قاله الحسن.
قوله تعالى: {قُل سِيروا في الأرض} أي: سافِروا {فانظروا كيف كان عاقبةُ الذين مِنْ قَبْلُ} أي: الذين كانوا قبلكم؛ والمعنى: انظروا إِلى مساكنهم وآثارهم {كان أكثرهم مشركين} المعنى: فأُهلكوا بشِركهم. {فأقَم وجهك للدِّين} أي: أَقم قصدك لاتِّباع الدِّين {القيّمِ} وهو الإِسلام المستقيم {مِنْ قَبْلِ أن يأتيَ يومٌ لا مَرَدَّ له من الله} يعني: يوم القيامة لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم، لأن الله تعالى قد قضى كونه {يَومَئِذٍ يَصَّدَّعون} أي: يتفرَّقون إِلى الجنة والنار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5